و لكن يظل أهم قرار إتخذه صالح سليم في هذه الفترة هو قرار إستبعاد كل نجوم الكرة الكبار في النادي ويكفي أن أذكر أسماء كمحمود الخطيب وطاهر أبو زيد وعلا ميهوب ومصطفي عبده لتضامنهم مع مدربهم كابتن الجوهري الذي إنقطع عن تدريبات الفريق لخلاف مع الإدارة فتضامن معه اللاعبون فقرر المايسترو إيقاف الجميع . موقف عادي , ولكن إذا علمت عزيزي القاريء أن مباراة الزمالك في دور الثمانية بكأس مصر كانت علي الأبواب و أن الزمالك في هذه الفترة كان به عمالقة لأدركت معي أن هذا الرجل كان من كوكب أخر . وبالفعل لعب الفريق المباراة بقيادة شوبير ومعه بعض الناشئين ومنهم حسام حسن المهاجم الصاعد وبدر رجب وعلاء عبد الصادق فكافأ الله الأهلي لأنه حافظ علي مبادئه ولم يهتم بالنجوم وتمردهم وفاز 3/2 علي فاروق جعفر وكوارشي الرهيب وجمال عبد الحميد وطارق يحيي والبقية في واحدة من أوضح الأمثلة علي أن الأهلي هو بكل تأكيد نادي المباديء ليس بالكلام ولكن بالفعل .
وفي عام 1988 إكتفي المايسترو بهذا القدر من الإنجازات ورأي ضرروة ضخ دماء جديدة في مجلس الإدارة فأعلن عدم ترشحه للإنتخابات في موقف نبيل يدل علي أن هدفه الرئيسي كان الأهلي ولا شيء سواه . وفي عام 1990 تدهور الفريق الأول بطريقة مخيفة فتمت إقالة مجلس الكابتن الوحش وجاء صالح سليم كرئيس للأهلي يحاول فرض الإنضبط وإعادة الفريق للطريق السليم . و إستمر هذا المجلس حتي عام 1992 حين أجريت الإنتخابات وكالعادة فاز المايسترو بنجاح منقطع النظير وللمرة الثانية أيضا يكون لنجوم الكرة دورا في الإنتخابات . وفي عام 1996 أعيد إنتخاب صالح سليم رئيسا للأهلي مرة أخري و لأن المايسترو أثبت أنه هو الرئيس الأحق بالنادي فقد قال المرشح الذي كان يتنافس معه ( السيد ثابت فضل الله ) أنه لو فاز لعين المايسترو رئيسا شرفيا للأهلي . وفي هذه الإنتخابات فاز المايسترو بفارق 4000 صوت عن أقرب منافسيه ولا تعليق !! .
و تتذكر عزيزي القاريء الإنجازات التي حققها نجوم التسعينات والإحتفاظ بالدوري سبع مرات متتالية وكلها أشياء تدل علي كم الإستقرار الذي وفره نجمنا الأكبر لفريق الكرة . ولكن كان له موقف كبير أخر حين توجه بمذكرة للرئيس محمد حسني مبارك يشكو فيها من السيد عبد المنعم عمارة رئيس المجلس الأعلي للشباب والرياضة في ذلك الوقت بسبب تدهور أحوال الكرة المصرية وإنحيازه للمصلة الشخصية دون المصلحة العامة . وموقف أخر في نهاية البطولة العربية حيث قرر الرئيس مبارك حضور المبارة وذهب رئيس النادي الأهلي لإستقباله فوجد مقعده الذي سيجلس عليه في أخر الصف فغادر الملعب فورا ليس لأنه صالح سليم ولكن لأنه رئيس النادي الأهلي الذي يجب أن يجلس في المقدمة فهو رمز للنادي . وفي عام 2000 كانت أخر إنتخابات للمايسترو ونجح بفارق 5000 صوت عن البقية ليدخل بالفريق الألفية الثانية بطموحات أكبر وأفق أوسع وإمكانيات أكبر وهو ما نجني ثماره حاليا حيث وصل فريق الكرة لأعلي مستويات النجومية والتألق
صالح سليم الإنسان
إشتهر المايسترو بعزة النفس والكبرياء وهو ما فسره العديدون بالتكبر ولكن كل من عرف المايسترو عن قرب فندوا هذه الإدعاءات ومنهم الصحفي الشهير الأستاذ حسن المستكاوي الذي كتب يوما في الأهرام عن هذه النقطة و وضح كيف أنه كان معتزا بنفسه لأبعد درجه ولكنه أبدا لم يكن متكبرا . والمثير فعلا أن هذا الشخص بهذه الصفات كان يخجل جدا إذا ما تواجد في مكان عام وإستقبله الجميع بحفاوة . كما أنه كان شخصا هادئا جدا ولكن وقت الجد يتحول لقمة الغضب خاصة إذا ما مس احد كرامته بأي سوء ولكن تبقي العصبية شيئا إعترف المايسترو بأنه غير جيد في طبعه .
ومن أهم هوايات الرجل العظيم الإستماع للموسيقي فقد إمتلأ بيته بعديد الإسطوانات المسجل عليها ألوان مختلفة من الموسيقي التي إستخدمها كوسيلة للإستمتاع والتأمل . كما أن المايسترو يجيد بشدة طهي الطعام وبخاصة الأسماك رغم أنه لا يأكلها بإستثناء التونة أما أقرب الأطباق إليه فكانت الفاصوليا البيضاء والجبن والفول المدمس الطبق المصري الأشهر .
يكره صالح سليم جهاز التلفزيون بشدة لأنه كان يراه منوم وهو ما يفسر حرصه علي الإستماع له قبل النوم ,. وكان يوم المايسترو يبدأ في السادسة صباحا , ولم يكن يستعمل التليفون إلا عند الضرروة
في عام 2002غادر المايسترو دنيانا وسكن إلي جوار ربه ليحزن الجميع وأصدر النادي الأهلي بيانا هذا نصه
" ينعي النادي الأهلي ابنا غاليا وأعز أبنائه ورمزا فريدا من أعظم رموزه الشامخة وعلما خفاقا من أعلام الوطن, الفارس الذي قاد انتصارات لأكثر من نصف قرن منذ كان شبلا فلاعبا.. فقائدا لفريق النادي الأهلي ومنتخب مصر, ثم مديرا للكرة وعضوا, ثم رئيسا لمجالس إدارة النادي طوال العقود الماضية الحافلة بالانتصاراته والإنجازات المحفورة في تاريخ الرياضة والوطن لنادي القرن في مصر وإفريقيا والعالم العربي, كان طوالها القدوة والمثل في الالتزام والإخلاص لقيمه ومبادئه وفي قيادته الفذة الفريدة.
حتي وافته المنية بعد كفاح طويل مع المرض الذي تحمل في صمت وشجاعة الرجال آلامه وتبعاته.. بما عرف عنه من اعتزاز بالكرامة واعتداد بالنفس وترفع نبيل دون أن يفقده المرض يوما اهتمامه ومتابعته لأدق أمور ناديه الذي عاش طوال عمره يعمل علي بناء مجده ورفع رايته وصيانة مبادئه والحفاظ علي تاريخه في شجاعة لا تعرف الخوف أو المجاملة أو الانحناء, وفي الذود عن عرينه حتي النفس الأخير بجسارة الأسود وبسالة الفرسان.
إن النادي الأهلي بمجلس إدارته وأعضائه وجماهيره الوفية في مصر والأمة العربية وأنحاء المعمورة, وقد هزه المصاب الفادح الجلل في ابنه العزيز الغالي ورمزه الفريد السامي وقائد مسيرته المظفرة ليدعو الله عز شأنه أن يتغمد الفقيد الغالي الكابتن صالح سليم بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه, وأن يسكنه مع الأبرار والصديقين فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون
.